لقد شهدت السنوات القليلة الماضية ظهور أزمات في مناطق مختلفة من العالم كان آخرها فايروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، ومن قبل الأزمة المالية العالمية، كلها أزمات حدثت في بلاد مختلفة من بلدان العالم ولكنها أثرت، ولا زالت توثر اقتصادياً واجتماعياً، على كافة دول العالم دون استثناء؛ ما يدل على أننا نعيش فعلاً عصر الأزمات والكوارث، ولقد ساهم التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عصر الانفتاح والعولمة إلى سرعة انتشار هذه الأزمات، فأصبحت الأحداث والأزمات، التي تقع في أي قطر من أقطار هذا الكوكب، تؤثر على باقي أقطاره رغم عدم وجود أي دور لها في حدوث هذه الأزمة.
إن إدارة الأزمات أصبح لها أهمية ودور أساسي على أداء العاملين بالمؤسسة وعلى المؤسسة ككل، حيث أن وجود إدارة يعني أن المؤسسة لديها من المقومات والبيانات والآليات داخل المنظمة ما يجعلها قادرة على مواجهة إدارة الأزمة بما يجنب المنظمة الانهيار ويجعلها قادرة على التواجد والاستمرار والمنافسة حيث أصبح وجود هذه الإدارة يعد من أهم الآليات التي تحافظ على بناء واستمرار المؤسسة في تأدية رسالتها وتحقيق هدفها ويساعد في ذلك الأفراد أنفسهم والكوادر البشرية المدربة والمؤهلة والقادرة على التعامل مع الأزمة أياً كان نوعها بأسلوب علمي مدروس يؤدى إلى السيطرة على الأزمة والقضاء عليها أو على الأقل التقليل من سلبياتها المؤثرة على المؤسسة من كل الجوانب ويمكن التنبؤ بالأزمة قبل وقوعها ويتم معالجتها والوقاية منها.
تعرف الأزمة على أنها موقف أو حالة يوجهها متخذ القرار في أحد الكيانات الإدارية تتلاحق فيها الأحداث، وتتشابك معها الأسباب بالنتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها، أو على اتجاهاتها المستقبلية موقف يتصف بصفتين أساسيتين، وهما:
- التهديد: حيث تشعر الأطراف المشاركة في الأزمة بأنهم لن يستطيعوا الحصول على الموارد، والأهداف التي تمثل أهمية لهم، ويتعلق التهديد بكل من: حجم، وقيمة الخسارة المحتملة.
- ضغط الوقت: حيث يعبر عن إدراك الأطراف المشاركة في الأزمة لمقدار الوقت المتاح لتقصى الحقائق واتخاذ تصرف قبل بدأ حدوث أو تصعيد الخسائر.
وقف العالم مندهشًا من هذا الكم الهائل من الأزمات التي ألمت به لذلك كثرت المحاولات والجهود المخلصة من قبل الخبراء والباحثين من أجل بزوغ آلية علمية محددة لمواجهة هذه الأزمات وتمخضت هذه الجهود عن ظهور مدخل إدارة الأزمات تلك الإدارة التي تعتمد على مجموعة من المبادئ التي تهدف إلى الوقاية من خطر ووقوع الأزمات.
ولقد تعددت وتنوعت تعريفات إدارة الأزمات تبعًا لاختلاف الاتجاهات الفكرية، ومجالات اهتمام العلماء والباحثين، ومن أبرز هذه التعريفات: توجيه الظروف المسببة للأزمات توجيها علميا يقوم على التخطيط والتنظيم والرقابة والتقييم والبعد عن العشوائية والارتجالية وانفعالات اللحظة نحو التغيير والانفراج تحت تكامل الجهود وتوظيف الخبرات والمعلومات والإمكانات المتاحة لرصد المتغيرات، والتنبؤ بالأزمات قبل حدوثها، واستخلاص النتائج والدروس لتلافي السلبيات ومعالجة الآثار المادية والاجتماعية والمعنوية الناجمة عنها.
هناك أسباب متعددة لحدوث الأزمات، وقد ترجع معظم هذه الأسباب في الأساس إلى عدم الكفاءة وسوء الإدارة، وفيما يلي عرض موجز لأهم أسباب نشوء ووقوع الأزمات في المؤسسات:
- سوء الفهم والإدراك: ينشأ سوء الفهم عادة من المعلومات غير الكاملة، أو التسرع في إصدار القرارات أو الحكم على الأمور قبل تبين حقيقتها، أما سوء الإدراك فينجم عن تدخل في الرؤية، والتشويش وعدم سلامة الاتجاه لدى متخذ القرار، وما يؤدي إليه من انقسام العلاقة بين الأداء الحقيقي للمنظمة وبين القرارات التي يتخذها، وإذا تراكمت نتائج هذه التصرفات بشكل معين، في حين كان متخذ القرار يدرك أنها تأخذ شكلاً آخر، فإن ذلك يسبب ضغطاً مولداً لانفجار الأزمة.
- سوء التقدير والتقييم: وخصوصاً في الحالات التي يكون فيها صدام بين طرفين، وينشأ ذلك من خلال جانبين أساسيين هما: –
- أ- الثقة المفرطة في النفس والمغالاة في القدرات الذاتية لمواجهة الطرف الآخر والتغلب عليه.
- ب- عدم تقدير قوة الطرف الآخر، والتقليل من شأنه وعدم إظهاره على حقيقته كثيراً من الأزمات.
- ضعف الامكانيات: قد يؤدي ضعف الامكانيات المادية والبشرية وقصورها عند التعامل مع بعض الأحداث والمواقف، إلى تفاقم الوضع ومضاعفة الخسائر المادية والمعنوية الناجمة عن الأزمة، مما يسبب أزمات تابعة كان من الممكن تلافيها في اللحظة الأولى لو أحسن استخدام الموارد المتاحة في التعامل مع الأزمة.
- إهمال الانذارات: إن الإدارة والعاملين في المنظمة قد يتجاهلون إشارات الإنذار المبكر أو لا توجد لديها نظم لاكتشاف هذه الإشارات أو التعرف عليها، أو ربما يتم تفسير الإشارات والإنذارات تفسيراً خاطئاً، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى وقوع أزمة.
- الإدارة العشوائية: هي الإدارة التي تفتقد إلى التخطيط والأساليب العلمية والتنظيم الجيد، وتقوم على أساليب الفعل، واتخاذ القرار الذي يمليه الموقف تبعا للرؤية الشخصية.
- تعارض الأهداف والمصالح: فعندما تتعارض الأهداف الخاصة بكل جزء من أجزاء المنظمة، وقيام متخذ القرار بمحاولات توفيقية لاسترضاء وكسب تأييد كل مجموعة على حساب المجموعات الأخرى، مما يؤدي إلى تخبط في القرارات والتوجيهات، وعدم المصداقية والشك في قدرات متخذ القرار، وافتقاد الوحدة الفكرية والعملية للمنظمة، ومن ثم حدوث الأزمة وإذا ما تعارضت المصالح بشكل شديد، برز الدافع لأحداث ونشوء الأزمة.
- الاشاعات: وهي من أهم أسباب نشوء الأزمات، بل إن كثيراً من الأزمات يكون مصدرها الوحيد إشاعة أطلقت بشكل معين، وتم توظيفها بشكل معين، وتنتشر الاشاعات بسرعة بالغة وخاصة أثناء الأزمات، وهي غامضة بطبيعتها، فمن الصعب معرفة مصدرها، ومن الذي نقلها؟ ومن الذي صدقها؟ قد تكون مخططة لتحقيق أهداف معينة.
يتم تسخير الاشاعة باستخدام مجموعة حقائق ملموسة قد حدثت فعلا من جانب قطاع كبير من الأفراد، وبالتالي فإن إحاطتها بهالة من البيانات والمعلومات الكاذبة والمضللة، وإعلانها في توقيت معين، وفي إطار مناخ وبيئة محيطة تم إعدادها بشكل معين، ومن خلال استغلال حدث ما تتحقق الأزمة. وكلما زاد بعد المسافة عن موقع الأزمة كلما زاد انتشار الإشاعات وتعتبر أسواق المال من أكثر الأماكن التي تنتشر فيها الإشاعات، للتأثير على أسعار الأوراق المالية والفائدة والصرف وغير ها.
- الرغبة في السيطرة والأزمات المخططة: تعد الرغبة في السيطرة من الأساليب الشائعة في منظمات الأعمال، وتستخدمها الأجهزة الأمنية في صنع أزمات داخل المنظمة للسيطرة على متخذ القرار، وإيقاعه تحت ضغوط نفسية ومادية، واستغلال مجموعة من التصرفات الخاطئة السوية التي قام بها في الماضي، أو التكتيك لتجريمه، وذلك لإجباره على القيام بتصرفات شديدة الخطورة والضرر. كما أن جماعات الضغط والمصالح تستخدم هذا الأسلوب لجني المكاسب غير العادلة من المنظمة، عن طريق صنع الأزمات المتتالية لإجبار متخذ القرار على الانصياع. وقد يخطط لصنع أزمات من داخل المنظمة أو من خارجها من بعض القوى المنافسة لها. فقد يكون هناك تهديد خارجي موجه ضد المنظمة، ويشمل كافة أشكال الهجوم على المنظمة من قبل منظمات أخرى، وذلك بقصد تهديد المعلومات ذات الطبيعة السرية أو حقوقها المسجلة أو بغرض تهديد الوضع الاقتصادي للمنظمة.
- تعقيد التكنولوجيا: فكلما زادت درجة التقدم التكنولوجي زادت درجة التعقيد، وعندما نكون بصدد أمة وشيكة الحدوث فمن المهم تقيي حالة التكنولوجيا، ويجب ألا ينحصر تقييم التكنولوجيا المستخدمة في إطار مدى سلامتها، ففي نهاية الأمر فإن الأفراد هم الذين يشغلون التكنولوجيا ويتحكمون فيها، فقد يقوم المشغلون بالتعامل مع المعدات بطريقة تختلف عن الطريقة التي يحددها مصممو هذه المعدات وتشير بعض التقديرات إلى أن (80) من كافة الحوادث ترجع إلى أخطاء إنسانية أو تنظيمية وليس بسبب أعطال ميكانيكية. فكثير من الأزمات يحدث نتيجة فشل تفاعل كل من التكنولوجيا، الأفراد، التنظيم لذا كان مهما أن نتعرف على أسلوب تفاعل العاملين والمديرين مع النظم التكنولوجية، وكيفية تكامل هذه النظم في المنظمة.
وأخيراً يجب أن نلاحظ عند التعرف على أسباب نشوء أي أزمة ألا يتم التركيز على سبب أو سببين لحدوث الأزمة، ولكن يجب أن نراعي العلاقات المتبادلة بين عناصر النظام في تفاعلها، وفهم تأثير التغير في عنصر معين على النظام بأكمله، آخذين في الاعتبار أن هذا التغير يتضخم بواسطة متغيرات أخرى في النظام أو خارجه.
-
أساليب وطرق التعامل في الأزمة:
أنواع الأزمات متعددة وأسبابها وأبعادها مختلفة، مما أدى إلى تعدد أساليب التعامل مع طبيعة كل أزمة، واختلاف كل أسلوب من هذه الأساليب، ومن هذه الأساليب:
- الأسلوب القهري: يقوم هذا الأسلوب أساساً على استخدام القوى لإجبار عناصر الأزمة على التراجع عن موقفهم وهذا الأسلوب عبارة عن مجموعة من الإجراءات والتحركات تتصدى للأزمة بكل قوة وحزم، وإن كان هناك احتمال لوقوع خسائر في الأرواح أو المعدات أو المنشاة.
ويجب ملاحظة أن هذا الأسلوب على الرغم من أنه ينهي الأزمة بأسرع وقت، إلا أن مخاطره وأضراره تكون كبيرة، وهذا بعكس الأسلوب التساومين والإقناعين ومثال ذلك قيام قوات الشرطة باقتحام مبني في جامعة ما لتخليص بعض المحتجزين فيها، وهذا يعني أن قوات الشرطة قد اتبعت أسلوب القوة (القهري) في التعامل مع الأزمة.
- الأسلوب التساومين: وهذا الأسلوب يعتمد على التفاوض والتحاور مع مفتعلي الأزمة، وذلك وصولاً إلى حل لها، وهو بهذا يتجنب كلية القوة كأسلوب في التعامل مع الأزمة، والتفاوض بهذا المعني يعني المساومة، على قبول بعض مطالب الخصم مقابل حل الأزمة، والأصل فيه الاستعداد للتنازل عن بعض المواقف المبدئية، تقابل تنازل الطرف الآخر عن بعض مطالبه.
- الأسلوب التنازلي الإقناعي: يعد أضعف أساليب إدارة الأزمات، لما يرتبط به من تنازلات لمطالب الخصم من قبل الأطراف المتفاوضة، سعياً للتغلب على الأزمة، وهذا الأسلوب رغم أنه يؤدي في كثير من الأحيان إلى حل الأزمة، إلا أنه يفقد من هيبة المؤسسة ومصداقيتها وقدرتها مستقبلاً على إدارة أزماتها كما أنه يساعد على زيادة افتعال الأزمة من قبل العناصر الخارجية طالما أن مطالبهم يتم تحقيقها.
يتضح مما سبق أنه ليس هناك أسلوب أفضل من آخر، وإنما طبيعة وعناصر الأزمة هي التي تحدد الأسلوب لإدارة الأزمة سواء كان الأسلوب قهري، تساومي، اقناعي، وعلى متخذ القرار أن يطبق الأسلوب الذي يراه ملائما لطبيعة الأزمة، وبما يحقق أعلى درجة من الكفاءة في التعامل معها.
للتعامل مع الأزمات طرق معينة، منها تقليدي، مضى عليها الزمن، وآخر غير تقليدي.
- الطرق التقليدية: ومن هذه الطرق ما يلي:
- إنكار الأزمة: وذلك من خلال التأكيد وعدم الاعتراف بوجود أزمة في الكيان الإداري، على الرغم من وجودها فعلاً وما يدعم هذا الأسلوب هو التعتيم الإعلامي المتعمد؛ سعياً لعدم اكتشاف الأزمة.
- كبت الأزمة: بهدف تدميرها عن طريق استخدام العنف الشديد لإخمادها، وتدمير عناصرها من خلال التحرك السريع المباشر العنيف لإفقاد الأزمة قوة الضغط وإرجائها إلى حين.
- القفز فوق الأزمة: ويركز هذا الأسلوب على التظاهر بحل الأزمة، وأنها قد تلاشت فعلاً ولكن مثل هذا الأسلوب يؤدي إلى ترك النار تحت الرماد، فالأزمة ما زالت موجودة ومستعدة للظهور ولكن بصورة أشد وأكثر خطرًا هذه المرة.
- بخس الأزمة: أي التهوين من شأنها، فالأزمة موجودة فعلاً ولكنها حدث قليل الأهمية، يمكن حله بأسلوب بسيط.
- تنفيس الأزمة: وذلك عن طريق فتح ثغرات مختلفة في جدار وبنيان الأزمة، وتنفيس حالة الغضب والغليان والتوتر، وإيجاد قضايا جزئية تستوعب جانبًا هامًا من هذا الضغط وتستنزف جهد أصحابها فتضعف قوة الدفع الرئيسية.
-
الطرق الحديثة في التعامل مع الأزمات:
نظراً لعدم جدوى وفعالية الطرق التقليدية في التعامل مع الأزمات، فإن صانع القرار يلجأ إلى إتباع أساليب غير تقليدية، تعتمد على العلم والمعرفة، ذلك لأن الأسلوب غير العلمي تكون نتائجه غير مضمونة، ومخيفة في بعض الأحيان، ومن أبرز هذه الطرق.
- فريق العمل: يعد أكثر الطرق الحديثة شيوعاً واستخداماً حيث يضم هذا الفريق مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مختلف تخصصات وزوايا الأزمة لبحث أبعادها وأسبابها، وطرق التعامل معها، ووضع خطة سريعة وموضوعية للقضاء عليها. وقد يكون هذا الفريق مؤقتاً بحيث يتم تشكيله وتسند له مهمة التعامل مع أزمة محددة بذاتها وتنتهي مهمة هذا الفريق بانتهاء الأزمة، ويتم حله بعد ذلك أوقد يكون الفريق مستمراً حيث يتم بصورة دائمة للتعامل مع مختلف الأزمات التي تواجه المؤسسة، وبحيث يضم أيضاً نخبة من الخبراء والمتخصصين الأكفاء في إدارة الأزمات.
- طريقة المشاركة الديمقراطية: وهذه الطريقة تتطلب مشاركة العنصر البشري في الكيان الإداري بالرأي للتعامل مع الأزمة وتعتمد هذه الطريقة على المصارحة وكشف الحقائق بشأن الأزمة وأبعادها، ومدى خطورتها على الكيان الإداري، وما الخطوات والإجراءات التي اتبعت لمواجهتها؟ وما هو دور كل فرد لإنجاح هذه الخطوات؟ وذلك ضماناً لعودة المنشأة إلى حالتها الطبيعية قبل وقوع الأزمة.
- طريقة احتواء الأزمة: وتعتمد على محاصرة الأزمة وحصرها في نطاق محدود، وتجميدها عند المرحلة التي وصلت إليها وامتصاص واستيعاب افقادها قوتها التدميرية وهذا في حالة الضغوط المولدة لها، ومن ثم الأزمات شديدة العنف، والتي لا يمكن التعامل معها فيمكن تحويلها إلى مسارات بديلة، وذلك لاحتوائها من خلال استيعاب نتائجها ثم التغلب عليها.
- طريقة الاحتياطي التعبوي: تقوم هذه الطريقة على أساس تحديد المناطق الضعيفة التي يمكن لعوامل الأزمات اختراقها، ومن ثم إعداد احتياطي وقائي يمثل حاجزًا إضافيًا وقائيًا لمواجهة الاختراق لأي من النقاط والحواجز المحددة.